الإفتاء تكشف حكم التخلف عن صلاة الجمعة لظروف العمل

حكم التخلف عن صلاة الجمعة، ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول: صاحبُ العمل يمنعنا مِن صلاة الجمعة بحجة ظروف العمل، فما الحكم في ذلك

حكم التخلف عن صلاة الجمعة

صلاة الجمعة تعتبر من الصلوات الواجبة الهامة في الإسلام، وتحظى بأهمية كبيرة في حياة المسلمين، حيث تساهم في تعزيز الوحدة والتآخي بينهم، وتذكرهم بأهمية الدين والعبادة، وتحثهم على الالتزام بالأخلاق الحميدة والقيم الإسلامية.

أهمية صلاة الجمعة

وفرض اللهُ صلاةَ  الجمعة على الرجال الأحرار البالغين المقيمين، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وعن طارق بن شهاب رضي اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (الجُمُعَةُ حَقٌّ واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ في جَماعَةٍ إلا أربَعَةً: عبدٌ مَملوكٌ، أوِ امرأةٌ، أو صَبِيٌّ، أو مَريضٌ) رواه أبو داود.

 

قال ابنُ المنذر: “أجمَعوا على أنَّ الجمعة واجبةٌ على الأحرار، البالغين، المقيمين، الذين لا عُذرَ لهم”.

وقال ابنُ عبد البَرِّ: “أجمَع علماءُ الأمَّة أنَّ الجمعةَ فريضةٌ على كلِّ حرٍّ، بالغٍ، ذَكَر، يدركه زوالُ الشمس في مِصرٍ مِن الأمصار وهو مِن أهل المصرِ غير مسافر”.

وعن أبي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.

ومعنى الختمِ والطَّبعِ على القلب: أن يُجعل بمنزلة المختوم عليه، لا يصل إليه شيء مِن الخير، وأن يصير قلبُه قلبَ منافق، إلا أن يتوب.

صلاة الجمعة 

رخصة التخلف عن صلاة الجمعة

رخّص العلماءُ للمقيم في التخلف عن حضور صلاة الجمعة عند وجود المشقة والحرج، وقد دلت على ذلك عموم نصوص الشريعة.

قال الله تعالى: {وَمَا َجعَلَ علَيْكُمْ فِي الدِّينِ منْ حرَجٍ}[الحج: 78]

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتُم).

والأعذارُ المبيحة للتخلف عن حضور الجمعة، ترجع أصولها إلى: الخوف على النفس، أو الأهل، أو المال، أو يَلحق بحضورِها الإنسانَ مشقةٌ شديدةٌ.

قال اللَّخْمي في التبصرة: “الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة أربعةٌ، وهي: ما يتعلق بالنفس، والأهل، والدِّين، والمال”.

والعذر بالنفس: المرض الذي لا يقدر معه على الوصول إلى مكان الصلاة، أو يقدر عليه بمشقة غير معتادة، أو أعمى لا يجد قائدًا، أو أن يخاف سلطانًا إن أمسكه قتله أو عاقبه أو أضر به.

والعذر في الأهل: أن تكون زوجته أو ابنته أو أحد أبويه قد اشتد به المرض أو احتضر؛ فيجوز له التخلّف، وكذلك لو كان قريبُه أو رفيقه مريضًا يخشى عليه وليس عنده مَن يقوم برعايته.

والعذر في الدين: بحيث إن ظهر خاف أن يُلزَم بأمر لا يجوز، مِن قتلِ معصوم، أو ضربِه، أو سبّه، أو بيعة مَن لا يجوز العقد له.

والعذر في المال: أن يخاف في سعيه أو حضوره من غاصب ولصوص، أو يخاف أن يسرق بيته، أو يحترق شيءٌ من ماله، فيجوز له التخلف.

قال الشافعي في الأم: “والعذر: المرض الذي لا يقدر معه على شهود الجمعة إلا بأن يزيد في مرضه، أو يبلغ به مشقة غير محتملة، أو يحبسه السلطان، أو من لا يقدر على الامتناع منه بالغلبة، أو يموت بعض مَن يقوم بأمره مِن قرابة أو ذي آصرة -أي: صلة وعلاقة- مِن صِهرٍ أو مودة أو مَن يحتسب في ولاية أمره الأجرَ، فإن كان هذا فله ترك الجمعة”.

وقال: ” وإن أصابه غَرَقٌ أو حَرْقٌ أو سُرِقَ وكان يرجو في تخلُّفِه عن الجمعة دفعَ ذلك أو تداركَ شيء فَلَتَ منه: فلا بأس أن يدع له الجمعة، وكذلك إن ضلَّ له ولدٌ أو مال مِن رقيق أو حيوان أو غيره فرَجا في تخلُّفِه تداركَه كان ذلك له”.

وقال المازري في شرح التلقين: “ويستعمل في جميع ذلك عند فقد الآثار والظواهر: المُوازنة بين تأكّد وجوب الجمعة ومقدار ما ينال من الضرر لحضورها…، فمَن أحاط بهذا علمًا ردَّ إليه أكثر الخلاف في فروع هذا الباب”.

وقال النووي في المجموع: “باب الأعذار في ترك الجمعة والجماعة ليس مخصوصًا، بل كل ما يلحق به مشقة شديدة فهو عذر”.

ومن ذلك: شدَّةُ المطرِ والوحلِ والريحِ والبردِ.

التخلف عن الجمعة بسبب العمل

وأما العمل الدائم الذي يستلزم ترك صلاة الجمعة باستمرار فلا يكون عذرًا؛ لأنه يفضي لترك الفرض والشعيرة.
ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر تعاطي الأسباب التي تؤدي به إلى ترك صلاة الجمعة؛ ومِن ذلك تعاقدُه للعمل عند مَن يمنع مِن أداء صلاة الجمعة أو لا تسمح طبيعة العمل بأدائها في وقتها دون حاجة أو ضرورة.
قال الله سبحانه وتعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
ويستثنى من ذلك حالتان:
الأولى: أن يحصل بترك العمل مفسدة كبيرة أو تتعطل بذلك مصالح كبيرة لا يمكن أن تتأتى بالتخلّف عن العمل، كالجنود المرابطين، والشرطة الحافظين للنظام والأمن، والحراس للمصانع والمعامل والمزارع التي يخشى سرقتُها أو تخريبها، والأطباء المسعفين… ونحوهم.
الثانية: أن يكون مضطرًا للعمل أو محتاجًا إليه حاجة شديدة لا يستطيع دونها تأمينَ نفقاته ونفقات مَن يعول الضرورية والحاجية التي تلحقه بتركِها مشقة شديدة، وهو غيرُ واجدٍ لعمل آخر؛ فيجوز له أن يبقى في هذا العمل حتى تزول الضرورة أو يجد بديلًا يستطيع الانتقال إليه.
قال المرداوي في الإنصاف: “ومما يُعذر به في ترك الجمعة والجماعة: خوف الضرر في معيشة يحتاجها أو مال استؤجر على حفظه كنظارة بستان ونحوه”.

وينبغي لمن ابتلي بصاحب عملٍ يمنعه مِن الواجبات أن ينصح له ويذكّره بتقوى الله تعالى، وبعاقبة الظلم والتضييق بغير حق؛ فالدين النصيحة، فإن لم ينفع النصح فلا حرج في الاستعانة بالأنظمة إن كانت تساعد في رفع هذا البلاء.

حكم ترك صلاة الجمعة بسبب العمل حارس أمن

وفي ذات السياق ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول أعمل في مهنة حارس أمني وظروف عملي تتطلب ألا أغادر موقعي، ممَّا يضطرني لترك صلاة الجمعة، فأصليها ظهرًا فما الحكم في ذلك؟
أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، ردت على السؤال السابق، حول حكم ترك صلاة الجمعة بسبب العمل كفرد أمن، موضحة أنه من المقرر في الفقه أنَّ كلّ ما أمكن تصوّره في الجماعة من الأعذار المُرَخِّصة في تركها، فإنه يرخِّص في ترك الجمعة، مشيرة إلى أن الفقهاء ذكروا من ضمن الأعذار المبيحة للتخلي عن صلاة الجمعة والجماعة، أن يخاف المسلم على نفسه أو ماله أو على مَن يلزمه أي الدفاع عنه.

وأفتت دار الإفتاء بأنه: ما دمت مُكَلَّفًا بحراسة تلك الجهات، وهجم عليك وقتُ الجمعة في أثناء نوبتك، وكان في أدائك للجمعة إخلالٌ بحفظك للأمن، فإنَّ أداء الجمعة يسقط عنك في هذه الحالة، ولك أن تصليها ظهرًا، مع التوصية للمسؤولين بتغيير النوبات لإتاحة الفرصة للجميع لصلاة الجمعة.

Related posts

Leave a Comment